في زحمة الحياة وتحدياتها اليومية، قد يعاهد الإنسان نفسه على فعل الخير ونشر البر، ومن ذلك إخراج الصدقة التي تُنسي الفقر وتُقرب من رحمة الله. لكن ماذا لو تعذر عليه الوفاء بهذا العهد بسبب ظروف طارئة أو ضائقة مالية؟ هل يُحاسب على نية لم تستطع أن تتحقق؟ في هذا المقال، نغوص في حكمة الفتوى الشرعية ونتناول إجابة أمين الفتوى حول هذا السؤال الحساس، لنقف على موقف الشرع الحنيف من العهود التي قد لا يستطيع الإنسان الوفاء بها.
عقد النية على إخراج الصدقة بين العبادات والواجبات
يُعد عقد النية على إخراج الصدقة من القربات التي يُثاب عليها العبد، فهو تعبير عن صدق العزم وتحري الحسنات. ولأن النية أساس في العبادات، فإن الالتزام بها يعكس صدق الرغبة في التقرب إلى الله، ويُعتبر بمثابة جسرٍ يعين المرء على التمسك بفعل الخير. ومع ذلك، فإن هذا العهد لا يُحسب من الالتزامات التي تُثقل كاهل الإنسان، بل هو دعوة للتوفيق بين القصد والعمل، فقد تُقدّر النية وتأجر عليها حتى ولو تعذّر الوفاء بها بسبب ظروف خارجة عن الإرادة.
امثلة توضيحية على حكم النية في إخراج الصدقة:
- نجاح النية بالوفاء: تُعدّ الصدقة صحيحة وتُثاب عليها.
- تعذّر الإخراج بسبب ظروف مالية صعبة: لا يُلام العبد ولا يُعتبر ذنبًا، ويُحتسب له الأجر على النية إن شاء الله.
- نسيان النية أو تركها عمدًا: لا يكون هناك أجر، ويجب تجنب ذلك لما فيه من تقصير في حق العبادة.

الظروف التي تعفي من الوفاء بالوعد في الشريعة الإسلامية
في الشريعة الإسلامية، الوفاء بالوعد هو من الأمور المحمودة والمشرعة، إلا أن هناك ظروفاً استثنائية تبيح للمسلم التنازل عن الوفاء به دون أن يقع عليه ذنب. من أبرز هذه الظروف:
- تعذر التنفيذ بسبب عائق خارجي كمرض مفاجئ أو فقدان الموارد المالية.
- تغيُّر الحالة الاقتصادية بشكل مفاجئ وغير متوقع.
- حدوث ظروف قاهرة يُعجز معها الفرد عن الوفاء بما وعد به.
وفي حالة عاهد الشخص نفسه على إخراج صدقة ولم يستطع الوفاء بها بسبب مثل هذه الأسباب، فلا يقع عليه إثم أو ذنب شرعي، بل يُعتبر هذا عذرًا مقبولًا في الشرع. ومع ذلك، يُستحب للمسلم أن يسعى لتعويض النذر أو الوعد إن تيسر له ذلك، ويُفضل أن يُتابع الدعاء والاستغفار ليُيسر الله له في إخراج الصدقة في المستقبل.
| السبب | هل يعفي من الذنب؟ |
|---|---|
| تعذر مالي | نعم |
| نسيان الوعد | لا |
| مرض يمنع التنفيذ | نعم |
| رغبة في التراجع دون سبب | لا |

دور النيّة وأثرها على قبول الصدقة عند عدم القدرة على التنفيذ
تُعد النيّة أساسًا لقبول الأعمال الصالحة لدى الله تعالى، وهي التي تضفي على العمل القيمة الحقيقية وتحدّد مكانته في ميزان الحسنات. فعندما تعاهد الإنسان نفسه على إخراج صدقة معينة، فإن الله يعلم صدق تلك النيّة، ويُثيب عليها حتى وإن لم تُتم تنفيذها بسبب ظروف خارجة عن الإرادة. النيّة الصادقة تُعتبر بمثابة التزام روحي يُحتسب عند الله، ولا يُحاسب عليها الإنسان إذا عجز عن الوفاء.
لأن الطاقات والقدرات تختلف من إنسان لآخر، فالأصل في الأحكام الشرعية رحمة الله بعباده، حيث أن:
- النية الصالحة ترفع درجات المُريدين في سبيل الله.
- عدم القدرة على التنفيذ يعفى صاحب النية دون تحميله ذنباً.
- يمكن تعويض اليمين أو العهد بالعمل الصالح أو الدعاء للمحتاجين.
فالنية تُعتبر جسرًا بين الإنسان وربه، ومع أن العمل يُثبت النية، إلا أن العجز بسبب عذر شرعي لا يُلزم المسلم الذنب، والله أعلم وأرحم بعباده.

نصائح عملية لإدارة العهود المالية بما يتناسب مع الإمكانيات الشخصية
لتحقيق إدارة متوازنة للعهود المالية في مجال الصدقة، من الضروري النظر إلى الإمكانيات الشخصية والظروف المالية بموضوعية. المرونة في تعديل المبالغ والجهود المكرسة دون الشعور بالذنب هي أساس مهم، فالصحيح هو أن تكون الصدقة بنية صافية وليس أن تتحول إلى عبء نفسي أو مالي. إذ يمكن تقليل المبالغ تدريجياً أو تأجيلها لحين توفر القدرة، مع الاستمرار في النية الصادقة والالتزام الأخلاقي.
استراتيجيات عملية تساعد في ذلك تشمل:
- وضع ميزانية شهرية بسيطة للصدقة تتناسب مع الدخل الحالي.
- توزيع التبرعات على فترات قصيرة لتخفيف العبء.
- الرصد المستمر للحساب المالي الشخصي ومراجعة الالتزامات بانتظام.
- اللجوء إلى صيغ الصدقة التي تتناسب مع المداخيل مثل الصدقة الجارية أو التركات الصغيرة.
| نوع الصدقة | مميزات | كيفية التنفيذ |
|---|---|---|
| صدقة نقدية صغيرة | مرنة ومناسبة لجميع القدرات | تحديد مبلغ يومي أو أسبوعي صغير |
| صدقة جارية | دائمة وتعود بفائدة مستمرة | التبرع لبناء أو دعم مشاريع خيرية |
| صدقة بالدعاء والعمل الصالح | بدون تكلفة مادية، مستمرة أثرها | الإكثار من الأدعية الصالحة ونشر الخير |
To Conclude
في ختام هذا المقال، نجد أن النية الصادقة هي بداية الطريق في أعمال البر والخير، وأن العزم على إخراج الصدقة يحمل في طياته أجرًا وثوابًا حتى وإن لم يُسدد الإنسان ما عاهد نفسه عليه. وما بين الطموح والواقع، يبقى التعامل بالحكمة والتيسير من جوهر الفتوى الشرعية، التي تواكب ظروف الإنسان وتعفيه عن ما يعجز عنه دون ذنب ولا إثم. فلتكن صدقتنا صافية نابعة من القلب، ولكل منا نصيبه في الخير، يوزعه الله سبحانه وتعالى على قدر استطاعته. وبهذا يقفل الباب على المسألة، ويُفتح المجال للنية والعزيمة التي لا تُقاس إلا بالصدق والإخلاص.

