في قلب الميادين العامة تتجلى قصص المدن وحكاياتها عبر التماثيل التذكارية التي تزين الساحات، وتحكي للمارين أجمل الذكريات وأبرز الشخصيات. ولكن، يتساءل الكثيرون عن الحكم الشرعي لهذه التماثيل، وهل هي جائز شرعًا أم محظورة؟ في هذا المقال، نستعرض رؤية الباحث يسري جبر حول حكم التماثيل التذكارية في الميادين، لنسلط الضوء على الجوانب الفقهية والأدبية التي تحيط بهذا الموضوع الحيوي.
حكم الشرع في إقامة التماثيل التذكارية في الأماكن العامة
تشير الأحكام الشرعية إلى أن إقامة التماثيل التذكارية في الأماكن العامة تختلف باختلاف نوع التمثال وغايته. فلو كان التمثال مجرد تعبير فني لا يتضمن تصويرًا لذات حية -خصوصًا الإنسان أو الحيوان- بشكل واقعي دقيق، فإنه غالبًا ما يُعتبر جائزًا ولا يثير مسائل شرعية كبيرة. أما إذا كان التمثال يُشبه صورة إنسان أو حيوان بشكل دقيق ومدقق، فإن هذا الأمر يطرح أسئلة فقهية تتعلق بتحريم تصوير ذوات الأرواح، بناءً على عدد من الأحاديث النبوية التي تحذر من التشبه بخلق الله في التصوير والنحت.
يمكننا تلخيص أبرز الضوابط الشرعية المتعلقة بهذه التماثيل من خلال النقاط التالية:
- الغرض من التمثال: هل هو تذكار يحمل معنى حضاري أو تاريخي أم يهدف إلى عبادة أو تقديس؟
- شكل التمثال: مجرد أشكال هندسية أو رموز لا تشكل تمثيلاً مباشرًا لذوات حية؟
- مكان التثبيت: هل التماثيل في أماكن عامة مفتوحة أم في أماكن خاصة؟
المعيار | حكم الشرع | ملاحظة |
---|---|---|
تمثيل غير حي (رموز هندسية) | جائز | لا يعارض الشريعة |
تمثيل دقيق لذات حية | مكروه أو محرم | تعليق فقهي وفق التفاصيل |
تذكار ذات بعد حضاري أو تاريخي | مسموح بشروط | عدم التقديس أو العبادة |
الأبعاد الثقافية والاجتماعية للتماثيل في الميادين
تتمتع التماثيل التذكارية في الميادين بأبعاد ثقافية واجتماعية عميقة تعكس الهوية الوطنية وترسخ القيم المجتمعية. فهي ليست مجرد أعمال فنية بل هي رموز تحكي قصص الأبطال والأحداث التي شكلت تاريخ الشعوب، وتعمل كجسر بين الأجيال المختلفة لتعزيز الانتماء والذاكرة الجماعية. ومن الناحية الاجتماعية، توفر هذه التماثيل مكانًا للتجمع والاحتفال، وتجعل من المجال العام مساحة تفاعلية وغنية بالتاريخ والحضارة.
من أبرز الأبعاد التي يمكن ملاحظتها في تلك التماثيل:
- تعزيز الهوية الوطنية من خلال تجسيد الرموز والأبطال.
- توفير نقطة التقاء اجتماعية تجمع مختلف فئات المجتمع.
- نقل القيم والمبادئ إلى الأجيال القادمة بطريقة بصرية مؤثرة.
- التعبير الفني الذي يعكس روحية المكان والتاريخ المحلي.
البعد | التأثير |
---|---|
ثقافي | تعزيز الذاكرة التاريخية وترسيخ القيم |
اجتماعي | خلق فضاءات تجمع المجتمع وتفاعل الأفراد |
فني | إضافة لمسة جمالية تعكس روح المكان |
تأثير التماثيل على الهوية الوطنية والقيم المجتمعية
تلعب التماثيل التذكارية دوراً محورياً في تعزيز الروح الوطنية وترسيخ القيم المجتمعية، إذ تعتبر عناصر بصرية تُجسد اللحظات التاريخية والشخصيات العظيمة التي أثرت في مسار الأمة. من خلال هذه الأشكال الفنية، يستطيع الأفراد التواصل مع ماضيهم بطريقة ملموسة، مما يعزز الفخر والاعتزاز بالهوية الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، تدفع التماثيل المجتمعات إلى التفكير في القيم التي جسدها الأبطال والعلماء، وبالتالي تعزيز التلاحم المجتمعي والولاء الوطني.
مع ذلك، يجب مراعاة عدة عوامل لكي لا تتحول هذه التماثيل إلى مجرد زينة جامدة تفقد مضمونها العميق، ومن هذه العوامل:
- النمط الفني المناسب الذي يعكس الروح الوطنية والقيم المشتركة بدقة.
- الموقع الاستراتيجي في الميادين العامة بحيث يكون في مكان يتيح التفاعل الجماهيري ويحفز النقاش الحضاري.
- اختيار الموضوعات التي تمس وجدان المجتمع برموزها وقصصها.
هذه العناصر مجتمعة تضمن للتماثيل تذكيرًا حيًا بمفاهيم الهوية والانتماء، داعية الناس إلى الوعي بأدوارهم الاجتماعية والوطنية.
توصيات يسري جبر لإدارة الميادين وضبط التصميمات التذكارية
يرى يسري جبر أن ضبط المشروعات التذكارية في الميادين يتطلب التوازن ما بين التاريخية والجمالية، مع الالتزام بتعاليم الشرع التي تنطلق من تحريم تماثيل الأصنام أو ما يشبهها. وينصح بأن تُراعى في التصميمات شعور الجمهور مع ضرورة اختيار موضوعات تحترم القيم الدينية والثقافية، مع التأكيد على أن تكون التصاميم رمزية وغير صورية بشكل يصادم مبادئ الدين الإسلامي.
- تجنب تماثيل بشرية كاملة: خاصة التي قد تُعتبر تصويراً لأشخاص حيّين أو رموز دينية.
- اعتماد التصاميم المجردة أو الهندسية: لتعبر عن الفكرة دون التشكيك في حُكمها الشرعي.
- التنسيق مع الجهات الدينية: قبل تنفيذ أي مشروع لضمان الالتزام بالضوابط الشرعية.
- التركيز على القيمة التعليمية والثقافية: للمشروعات لتعزيز الفهم بدلاً من مجرد التجميل.
الجانب | التوصية |
---|---|
الجانب الشرعي | الامتناع عن التماثيل الإنسانية الصريحة |
الجانب الفني | استخدام الرموز الهندسية والتجريدية |
الجانب المجتمعي | التركيز على القيم الأخلاقية والثقافية |
The Conclusion
في ختام هذا المقال، نجد أن مسألة التماثيل التذكارية في الميادين تظل موضوعًا يحتاج إلى نظر متأني يجمع بين الجانب الشرعي والجانب الثقافي والاجتماعي. فتفسير الحكم الشرعي عليها يتطلب الرجوع إلى فهم دقيق للمقاصد الشرعية وعدم التسرع في إصدار الأحكام، كما يوضح يسري جبر في إجابته. وفي نهاية المطاف، يبقى الحوار المفتوح والتأمل المتوازن هما السبيل الأمثل للوصول إلى رؤية توافق بين قيم المجتمع وحكم الشريعة، حفاظًا على الهوية وفي إطار من الاحترام والتقدير للتاريخ والذاكرة الجمعية.